الأربعاء، 25 مايو 2011

للصمود والتحدّي عنوان واحد: فاطمة

سأنتصر! دعواتكم!
فاطمة(1)، خمس سنوات، نجمة المركز، ليس هناك طعم للجولة الصباحية بدونها. كاملة الأناقة، تنسّق لون ربطات شعرها حتى مع لون حذائها. تتوقع منها دائماً البسمة، وغمزاتها لها وقع خاص في قلبك، تملؤك براءة في نظرات عيونها.

تعرّضت هذه الطفلة لتحديّات هائلة في سنيّ عمرها الخمسة. لقد شهدت من امتحانات الحياة ما لم يشهده عَجَزة ثمانينيون، وتلقت من أصناف الدواء ما لم يتجرّعه ألف من الناس. خضعت لعزل مشدّد -خوفاً عليها من الإنتانات (2)- أكثر مما تعرّض له سجناء غوانتانامو، تحمّلت مصاعب ثلاث عمليات زرع في نقيّ العظم مع ما يرافقها من آلام و"آمال" ومخاطرة في الحياة. كان كلّ ذلك مقامرة في حياتها، لكنّها "نجت" بالله!

لقد التقيت ببراءتها في الشهرين الماضيين عندما كانت في المستشفى بسبب إنتان فِطريّ (3) معنّد في الرئة. إنّ الفطريّات التي عشّشت في رئتها كانت من أعتى الأنواع مما أجبر الأطبّاء هنا على استيراد أدوية خصوصيّة "للخصوصيّة" (4). سيسقط عناد هذه الفطريّات أمام معلّمة الصمود والتحدّي، أنا متأكّد!

يحتفظ مدير المركز بصورة ضحكتها، يرجع إليها كلّما ضاقت عليه صنوف الموت المحيطة به وخنقته بأحزانها ليجد فيها الأمل والراحة والقدرة التي تدفعه لإسقاط أوهام الفشل وهزيمة أعتى وأصعب أنواع الأمراض. 

كانت الليلة التي التقيت فيها في قسم الطوارئ من أسعد الليالي. لقد أطاحت ضحكاتها بتعب الوقوف المستمر الذي أنهكني. إنها تتعبني من كثرة الأمل. لقد ردّت إليّ أيام الطفولة.

دقّ الـ Beeper (5) الخاص بي مساءاً لإعلامي أنّ فاطمة متؤلّمة من بطنها. لقد أدمعت قلبي دمعاتها، وشوّشت كل التركيز الذي أحمله في عقلي. كيف لي أن أفحص جسدها المتألّم؟ كيف يمكنني أن أختبر أوجاعها وأستفزّ آلامها الثائرة. لا بدّ من الصبر، إنها معلّمة الصبر، أليس كذلك؟

ما زالت فاطمة اليوم في قمّة الأناقة، ما زال قلبها يوزّع على الأطباء، الممرّضات وحتى المرضى كل صنوف الحياة. عاشت الحياة وبقي الصمود بصمودها!

--
(1) شخصية وهمية، والصورة من الانترنت
(2) الإنتانات: التهاب في الجسم تسبّبه جراثيم أو ما شابه
(3) فطريّ: أحد أنواع العوامل المسببة للالتهابات، لها خصائص قريبة من الجراثيم
(4) الخصوصيّة: فاطمة
(5) Beeper: جهاز يحمله الأطباء يتلقون من خلاله نداءات طاقم المستشفى في حال الضرورة
(6) الصورة لفتاة شبيهة بـ "فاطمة". ليست صورتها الحقيقة

هناك تعليقان (2):